فصل: ذكر شيء من مقالاته في أصول الديانات

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: طبقات الشافعية الكبرى **


ذكر شيء من مباحثه ولطائفه التي سمعناها منه ولم يودعها تصانيفه وربما وجد بعضها بخطه في مجاميعه

اعلم أن بابا مباحثه بحر لا ساحل له بحيث سمعت بعض الفضلاء يقول أنا أعتقد أن كل بحث يقع اليوم على وجه الأرض فهو له أو مستمد من كلامه وتقريراته التي طبقت طبق الأرض

ولما كان هذا شيئا كثيرا عمدنا إلى أمور سمعناها منه شفاها ولم يودعها تصنيفا له فذكرنا بعض ما حضرنا منها ومنها ما هو موجود بخطه في مجاميعه ورأيت جمعها هنا أثبت لها وأقر

سمعت الوالد رحمه الله يقول وقد سئل عن العلقة السوداء التي أخرجت من قلب النبي في صغره حيث شق فؤاده وقول الملك هذا خط الشيطان منك إن تلك العلقة خلقها الله تعالى في قلوب البشر قابلة لما يلقيه الشيطان فيها فأزيلت من قلبه فلم يبق فيه مكان قابل لأن يلقي الشيطان فيه شيئا

قال هذا معنى الحديث ولم يكن للشيطان فيه حظ قط وإنا الذي نفاه الملك أمر هو في الجبلات البشرية فأزيل القابل الذي لم يكن يلزم من حصوله حصول القذف في القلب

قال فإن قلت فلم خلق هذا القابل في هذه الذات الشريفة وكان يمكنه أن لا يخلق فيها

قلت لأنه من جملة الأجزاء الإنسانية فخلقه تكملة للخلق الإنساني فلا بد منه ونزعه أمر رباني طرأ بعده

ورأيت بخط الأخ شيخنا الإمام أبي حامد أحمد سلمه الله أنه رأى الوالد في النوم على جبل مرتفع على بساتين عظيمة وأن بيد الأخ قنديلا يضيء عليه وهو يقرأ عليه هذا البحث فظن أن القنديل انطفأ فقال للوالد إن القنديل انطفأ مرات فرفع رأسه وقال له لا قال فتأملت فإذا هو كما قال ولكن كانت على الوالد أنوار ضعفت معها نور القنديل فظننت أنه انطفأ قال ووقع في نفسي في النوم أن تلك الأنوار ببركات هذا البحث

سمعت الوالد يقول ثم نقتله من خطه في قوله تعالى ‏{‏وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ‏}‏ إلى قوله ‏{‏وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ‏}‏ ما نصه تكلم الناس في تفسيرها كثيرا وفهمت منها أن ذلك تعليم من الله سبحانه لإبراهيم عليه الصلاة والسلام للحجة على قومه فأراه ملكوت السموات والأرض وعلمه كيف يحاجج قومه ويقول لهم إذا حاججهم في مقام بعد مقام على سبيل التنزل إلى أن يقطعهم بالحجة ولا يحتاج مع هذا إلى أن نقول ألف الاستفهام محذوفة ويؤخذ منه أن المقول على سبيل التنزل ليس اعترافا وتسليما مطلقا وقول الفقهاء تسليم على سبيل التنزل معناه هذا أي إنه يقول نقدر أن الخصم نطق به فلينظر ما يترتب عليه

وهذا الذي فهمته أرجو أنه أقرب من كل ما قيل فيها ويرشد إليه صدر الآية وعجزها أما صدرها فقوله ‏{‏وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ‏}‏ وأما عجزها فقوله ‏{‏وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ‏}

سمعت الوالد يقول ينبغي للمصلي في الركوع عند قوله خشع سمعي وبصري وعظمي وشعري وبشري وما استقل به قدمي لله أن يحرص على صدقه في هذا الكلام بأن يكون الخشوع محققا في القلب ويظهر أثره في هذه الأعضاء ليتحقق صدق هذا الخبر وإلا فالإخبار في هذا المقام بين يدي الله تعالى على خلاف الواقع صعب إلا أن يراد أنه متصورة في حال من هو كذلك وهو مجاز

سمعت الوالد في درس الشامية العصي يقول وقد قيل له كانت العادة قديما أن يذكر المدرس العصر نكتة فقال اذكروا مسألة أستخرج منها نكتة

فقلت أنا النكاح بلا ولي

فقال على الفور النكاح بلا ولي باطل لأن قوله ‏(‏ أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل ‏)‏ إما أن يراد به حقيقة اللفظ أو صورة النزاع وهو الحرة البالغة العاقلة أو مقيد بقيد يندرج فيه أو شيء يلزم منه أو أحد هذه الأمور الأربعة أو القدر المشترك بين الأول والثاني والأول والثالث والأول والرابع أو بين الثاني والثالث أو الثالث والرابع فهذه أحد عشر قسما على تقدير إرادة واحد منها يلزم ثبوت الحكم في صورة النزاع وواحد منها مراد لأنه جائز الإرادة مع صلاحية اللفظ له وغيرها منتف بالأصل فإذا ثبت أحد الملزومات الأحد عشر فيثبت اللازم وهو أن النكاح بلا ولي باطل

وأيضا فاعتقاد البطلان راجح لأنه على أحد عشر تقديرا كلها عليه دليل واحتمال الصحة على احتمال واحد لا دليل عليه فيكون مرجوحا فاعتقاد الصحة مع ذلك ممتنع لأنه يلزم منه الترجيح بلا مرجح وهو باطل فيكون اعتقاد الصحة باطل فيثبت مقابله وهو اعتقاد البطلان

سمعت الوالد رحمه الله في درس الغزالية يقول وقد سئل عن الدليل على تقبيل المصحف دليله القياس على تقبيل الحجر الأسود ويد العالم والوالد والصالح ومن المعلوم أن المصحف أفضل منهم

وسبب تقبيل الحجر الأسود ما ورد أنه يمين الله في الأرض والعادة تقبيل يمين من يقصد إكرامه فجعل إشارة إلى ذلك تعالى الله عن التشبيه

قال وهذا معنى لطيف في تقبيل الحجر الأسود والقرآن صفة الله فهو بذلك أحق

سمعت الوالد يقول في قوله تعالى ‏{‏أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ‏}‏ إنه سمع شيخه أبا الحسن الباجي يقول لم لا قيل اتخذ هواه إلهه قال الوالد فما زلت مفكرا في الجواب مذ أربعين سنة حتى تلوت ما قبلها وهو قوله ‏{‏وَإِذَا رَأَوْكَ‏}‏ إلى قولهم ‏{‏إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا‏}‏ فعلمت أن المراد الإله المعبود بالباطل الذي عكفوا عليه وصبروا وأشفقوا من الخروج عنه فجعلوه هواهم

سمعت الوالد يقول إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف روي له عن عمر بن الخطاب

وقال الواقدي لا نعلم أحدا من ولد عبد الرحمن بن عوف روى عن عمر سماعا غيره وكذلك قال يعقوب بن شيبة

قال الوالد في سماعه من عمر نظر لأنه توفي سنة خمس أو ست وتسعين وعمره خمس وسبعون سنة فيكون عند وفاة عمر ابن أربع فيكف يسمع

قال وقد روى له عن عمر البخاري والنسائي وذكر روايته عنه عمر عن البخاري والمزي في الأطراف حديث أذن عمر رضي الله عنه لأزواج النبي في آخر حجة حجها ولم يرقم له في التهذيب إلا للنسائي

نقلت من خط الوالد رحمه الله وكنت أسمعه منه

فائدة قال الغزالي رحمه الله في نية الصلاة هي بالشروط أشبه وهذا ليس تصريحا بخلاف بل يحتمل أن يكون مراده أنها ركن يشبه الشرط

واعلم أن الفعل المجرد لا أثر له في نظر الشرع في العبادة وإنما يصير عبادة بالنية والنية فيها أميران أحدهما قصد الناوي والثاني الأثر الذي ينشأ عن ذلك القصد فذلك الأثر الناشئ الذي يكسب الفعل صفة العبادة وهو كون الفعل واقعا على وجه الامتثال هو ركن بلا شك وهو مع الفعل كالروح مع البدن وتوجه قصد الناوي إلى ذلك خارج لأن القصد إلى الشيء غير الشيء فمن هنا أشبه الشرط

ولهذا اشتبه الأمر في كونها ركنا أو شرطا وصح أن يقال هي ركن باعتبار ذلك المعنى المقوم للفعل المقارن له المصاحب له من أوله إلى آخره فهو روحه وقوامه وصح أن يقال شرط لذلك القصد القائم بذات الناوي فهما أمران أحدهما قائم بذات الناوي والثاني صفة للفعل فالأول شرط والثاني ركن

ولا نعتقد أن الناوي يقصد الفعل المجرد وإنما يقصد الفعل بوصف كونه مطلوبا للرب تعالى وذلك الفعل مكتسب من ذلك الوصف صفة ينسبغ بها كما ينسبغ الثوب المصبوغ صبغه جزء منه والصبغ الذي هو فعل الفاعل خارج عنه وشرط فيه كذلك العبادة

وتأمل إذا قلت قمت إجلالا لك كيف صار القيام مكتسبا صفة الإجلال ولولاها لم يكن إلا مجرد نهوض فتأثر وتقوم بالإجلال وأشبه شيء به الروح والبدن فالقيام و البدن والإجلال هو الروح والقصد كنفخ الروح في البدن

ومن تأمل هذا المعنى لم يخالجه شك في أنها ركن مقارنة للفعل مقومة له داخلة في ماهية العبادة التي هي مجموع الفعل المنوي وليست المقارنة خاصة بالتكبير فإن تلك مقارنة ذكرية والمقارنة الحكمية حاصلة في جميع الصلاة ألا ترى أن القيام إجلالا الإجلال مقارن له دائم معه وإن وصفناه بالخروج عن الماهية في التعقل فهو من جهة دون جهة وهو معه كالفاعل والمنفعل إذا نظرت إلى الفعل وجدت له خروجا من وجه ودخولا من وجه

وجدت بخط الوالد رحمه اله وكنت أسمعه منه اختلف الناس في شرط الحديبية من جاءك منا ترده هل هو مخصوص أو منسوخ في النساء بقوله تعالى ‏{‏فَلا تَرْجِعُوهُنَّ‏}‏

والذي اختاره أنه منسوخ وفسخ للعقد في بعض المعقود من الله تعالى الذي له أن يحدث من أمره ما شاء ولا ينبغي أن يقال إنه تخصيص لأن التخصيص بيان المراد فيكون قد أطلق في العقد العام وأريد به الخاص والنبي ينزه عن أن يظهر في العقود خلاف ما يضمره

ويحتمل أن النبي أطلق اللفظ بأمر الله تعالى من غير إرادة عموم ولا خصوص بل على مراد الله تعالى ثم جاء البيان من الله تعالى تخصيصا من عند الله تعالى

وجدت بخط الوالد رضي الله عنه كل من زرع أرضا ببذره فالزرع له إلا أن يكون فلاحا يزرع بالمقاسمة بينه وبين صاحب الأرض كعادة الشام فإن الزرع يكون على حكم المقاسمة على ما عليه عمل الشام

وأنا أراه وأرى وجهه من جهة الفقه أن الفلاح كأنه خرج عن البذر لصاحب الأرض بالشرط المعلوم بينهما فيثبت على ذلك

وإذا عرف هذا وتعدى شخص على أرض وغصبها وهي في يد الفلاح فزرعها على عادته لا نقول الزرع للغاصب بل للمغصوب منه على حكم المقاسمة وهذه فائدة جليلة تنفع في الأحكام

وجدت بخطه رحمه الله وكنت أسمعه منه قوله تعالى ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ‏}‏ هل الضمير في ‏{‏اغْسِلُواْ‏}‏ للذين آمنوا فيكونوا مأمورين الآن بالغسل وقت القيام أو للذين آمنوا القائمين إلى الصلاة لما دل عليه الشرط فلا يكونوا مأمورين إلا وقت القيام للصلاة

وفيه بحث والأظهر الثاني

وهذه قاعدة شريفة ينبني عليها مباحث كثيرة

ويشهد لاختيار الثاني قوله تعالى ‏{‏يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ‏}‏ فطابق الأمر ما دل الشرط عليه

ومن المباحث المتعلقة به إذا قلت يا زيد إذا زالت الشمس فصل هل هو مأمور الآن أو لا يكون مأمورا إلا وقت الزوال وهو المختار

ولا يرد عليه أنا نختار أن الأمر قديم لأنه لا يلزم من قدم الأمر قدم كونه مأمورا

ولا يرد عليه أنا نختار قدم التعلق لأن التعلق بحسبه فالتعلق إنما هو بفعله وقت الزوال وبالقائمين وقت القيام فهم بهذا القيد متعلق الأمر وهم بدون القيد ليسوا متعلق الأمر

ولا يرد عليه أنا نختار في قوله إن طلعت الشمس فأنت طالق أن الإيقاع الآن والوقوع عند الطلوع لأنا لا نعني بالإيقاع إلا إيقاع ما يقع عند الطلوع

فافهم هذا فإنه من نفائس المباحث ولم أجده منقولا لكن حركني له قول الشافعي في الآية إن ظاهرها من قام إلى الصلاة فعليه أن يتوضأ

فتأملت كلامه لم يقل عليهم أن يتوضؤوا إذا قاموا إلى الصلاة

فانظر ما أنفع تأمل كلام العلماء رضي الله عنهم لا سيما إمام العلماء وخطيبهم رحمه الله

انتهى

قلت وقد تكلم الوالد في تفسيره على هذا أيضا وأطال فيه ذكره عند الكلام على قوله تعالى ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً‏}

وجدت بخط الوالد أحسن الله إليه قوله تعالى ‏{‏وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ‏}‏ قيل إنه نفي للحصر فلا يلزم نفي الحزن

وجوابه على تسليم أن ‏{‏هُمْ يَحْزَنُونَ‏}‏ للحصر تقدير ‏{‏هُمْ‏}‏ داخلة على ‏(‏لا يحزنون‏)‏ كما إذا دخل النفي على الفعل المؤكد يقدر التأكيد داخلا بعد النفي لا قبله وما أشبه ذلك وقدم في اللفظ بلا ليقابل بها ‏{‏لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ‏}‏ و ‏{‏لا‏}‏ مسلطة على ‏{‏يَحْزَنُونَ‏}‏ لا على الجملة

وسبب الحصر عند من يقول به يختص بالمضارع لأنه الذي يمكن أن يرفع الفاعل الذي يمكن تحويله إلى المبتدأ مثل زيد يقوم أصله يقوم زيد فاقتضى التقديم الحصر وهذا لا يتأتى في غيره

سمعت الشيخ الوالد رضي الله عنه يقول وقد ذكره في النوادر الهمداني من تصانيفه من قواعد الفلاسفة الفاسدة أن الواحد لا يصدر عنه إلا واحد لأنه لو صدر عنه أكثر من واحد فكونه مصدرا لج مثلا مخالف لكونه مصدرا لب فالمفهومان إن كانا داخلين في الذات لزم التركيب أو خارجين لزم التسلسل الممتنع أو الانتهاء إلى التركيب إلى آخر ما نظموه من الشبهة

وهذا الذي قالوه بعينه يلزمهم في الواحد الصادر مع كونه صادرا عن الذات والنسب عندهم ثبوتية فيقال لهم الصادر وتأثير القادر فيه إما أن يكونا داخلين أو خارجين أو أحدهما داخلا والآخر خارجا وينقض كل قسم بنا نقضوه به فيتبين فساد كلامهم والله المستعان

سمعت الشيخ الوالد يقول وقد ذكر قول عبد الغني بن سعيد الحافظ إن الرجل الذي أتى النبي فذكر أنه وطئ أهله في رمضان سلمة بن صخر البياضي وأن ذلك كان نهارا وأنه أصح من قول ابن إسحاق ليلا إن ابن إسحاق لم ينفرد به بل رواه الترمذي أيضا وحسنه وأن رجال إسناده ثقات وأن المختار عنده أنهما واقعتان وأن حديث أبي هريرة في الوقاع وحديث سلمة بن صخر في الظهار

قال وسواء أكان المبهم في حديث أبي هريرة هو سلمة بن صخر فيكون قد وقعت له واقعتان أم كان غيره

سمعت الشيخ الوالد يقول بعد أن ذكر اختلاف النحاة في لو تتبعت مواقع لو من الكتاب العزيز والكلام الفصيح فوجدت المستمر فيها انتفاء الأول وكون وجوده لو فرض مستلزما لوجود الثاني وأما الثاني فإن كان الترتيب بينه وبين الأول مناسبا ولم يخلف الأول غيره فالثاني منتف في هذه الصورة كقوله تعالى ‏{‏لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا‏}‏ وكقول القائل لو جئتني لأكرمتك لكن المقصود الأعظم في المثال الأول نفي الشرط ردا على من ادعاه وفي المثال الثاني أن الموجب لانتفاء الثاني هو انتفاء الأول لا غير

وإن لم يكن الترتيب بين الأول والثاني مناسبا لم يدل على انتفاء الثاني بل على وجوده من باب الأولى كقوله نعما العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه فإن المعصية منتفية عند عدم الخوف فعند الخوف أولى

وإن كان الترتيب مناسبا ولكن للأول عند انتفائه شيء آخر يخلفه مما يقتضي وجود الثاني كقولنا لو كان إنسانا لكان حيوانا فإنه عند انتفاء الإنسانية قد يخلفها غيرها مما يقتضي وجود الحيوانية

قال وهذا ميزان مستقيم مطرد حيث وردت لو وفيها معنى الامتناع وخاصيتها فرض ما ليس بواقع واقعا إما في الماضي والحال وهو الأكثر أو المستقبل وهو قليل كقوله

ولو تلتقي أصداؤنا بعد موتنا ** ومن دون رمسينا من الأرض سبسب

لظل صدى صوتي ولو كنت رمة ** لصوت صدى ليلى يهش ويطرب

وقوله

ولو أن ليلى الأخيلية سلمت ** علي ودوني تربة وصفائح

لسلمت تسليم البشاشة أو زقا ** إليها صدى من داخل القبر صائح

إلى غير ذلك من الأمثلة

وقد ترد لو بمعنى إن لمجرد الربط كقوله

ولو باتت بأطهار

فليست من هذا القسم لأن امتناع الأول غير مقصود فيها بوجه وللاستقبال الذي دل عليه إذا حاربوا

وإنكار كون لو امتناعية جحد للضروريات ودعوى ذلك مطلقا منقوضة بما لا قبل به والضابط في ما ذكرته وأنشد لنفسه

مدلول لو ربط وجود ثان ** بأول في سابق الزمان

مع انتفاء ذلك المقدم ** حقا بلا ريب ولا توهم

أما الجواب إن يكن مناسبا ** وليس غير شرطه مصاحبا

فاحكم له بالنفي أيضا واعلم ** بأن كلا داخل في العدم

أو لم يكن مناسبا فواجب ** من باب أولى ذاك حكم لازب

وفي مناسب له إذ يفقد ** مناسب سواه قد لا يوجد

هذا جواب لو بتقسيم حصل ** ممتنع وواجب ومحتمل

ومعظم المقصود فيما يجب ** إثباته في كل حال يطلب

مثاله نعم الذي لو لم يخف ** لما عصى إلهه ولا اقترف

ومعظم المقصود في الممتنع ** بيان نفي شرطه الذي ادعى

كلو يكون فيهما شريك ** لفسدا فالواحد المليك

أو أن ذاك النفي حقا أثرا ** في عدم الذي يلي بلا مرا

كلو أتيتني لكنت تكرم ** كرامتي لمن قلاني تعدم

قلت وهذا ملخص ما ذكره في كتاب كشف القناع في حكم لو للامتناع ولا أعرف الآن في بلاد الشام نسخة من هذا الكتاب فلذلك كتبت هذا ليستفاد فهو كما تراه في التحقيق

سمعت الشيخ الإمام الوالد رحمه الله يقول وقد سئل عن قول الشاعر

لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى ** وأسيافنا يقطرن من نجدة دما

إنما قال بالضحى ولم يقل بالدجى لأنها إذا لمعت وقت الضحى كان أبلغ وأدل على عظمها فإن القليل يلمع في الدجى ولا يلمع في الضحى إلا الكثير

سمعت الشيخ الوالد رحمه الله يقول وقد سئل عن معنى الرضع في قول سلمة بن الأكوع رضي الله عنه يخاطب الذين أخذوا لقاح النبي حين رماهم بالسهام

واليوم يوم الرضع **

الرضع اللئام أي اليوم يومكم أيها اللئام يقال رضع يرضع ثدي أمه بكسر الضاد في ماضيه وفتحها في مضارعه ورضع يرضع بالكسر في مضارعه والفتح في ماضيه عكس الأول إذا تلام والرجل راضع أي لئيم

سمعت الشيخ الإمام يجيب وقد سئل عن خندف التي ذكرها العباس رضي الله عنه في قوله

حتى علا بيتك المهيمن في ** خندف علياء تحتها النطق

فقال خندف هذه امرأة الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان قال وكانت من سراة نساء العرب وأخذ يذكر من نبئها ما يطول شرحه

سألت الشيخ الإمام الوالد رحمه الله لم يقول المصلي في الاعتدال كلنا لك عبد ولا يقول عبيد مع عود الضمير في كلنا على جمع

فقال لأنه قصد أن يكون الخلق أجمعون بمنزلة عبد واحد وقلب واحد

سألت الشيخ الوالد لم لا يفترق الحال عند الصوفية بين إبداء الصدقة وإخفائها وقد نص القرآن على تفضيل الإخفاء

فقال المراد أن قلب الصوفي لا يتأثر بالإعلان لأنه لا يرى غير الله فكانا بالنسبة إليه سواء وإن كان الستر من حيث هو أفضل من الجهر من حيث هو

سألت الشيخ الإمام ما الحنث العظيم المشار إليه في قوله تعالى ‏{‏وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيمِ‏}

فقال هو القسم على إنكار البعث المشار إليه في قوله تعالى ‏{‏وَأَقْسَمُواْ بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ اللَّهُ مَن يَمُوتُ‏}

سئل الشيخ الإمام الوالد رضي الله عنه عن قول الشريف الرضي

فاتني أن أرى الديار بطرفي ** فلعلي أرى الديار بسمعي

وقول القاضي الفاضل

مثلته الذكرى لسمعي كأني ** أتمشى هناك بالأحداق

فقال وكتبته من خطه قول الشريف يحتمل ثلاث معان بعد فهم ثلاث قواعد إحداها قال الغزالي وغيره الوجودات أربعة وجود في الأعيان ووجود في الأذهان ووجود في البيان ووجود في البنان

وأنا أقول هذه الوجودات الأربعة في كل موجود معقولا كان أو محسوسا فإن كان محسوسا فيزاد خامسا وهو الوجود في الحس والأمثلة معروفة ولا حاجة إلى التطويل بها

القاعدة الثانية أن الرؤية تكلم الحكماء فيها هل هي بالانطباع أو باتصال الشعاع وبسط هذا معروف في محله فلا حاجة إلى التطويل به

القاعدة الثالثة أن الحواس هل هي كالحجاب أو كالطاقات وفيه خلاف

إذا عرفت هذه القواعد الثلاث رجعنا إلى الاحتملات الثلاثة وهي في قوله أرى الديار بطرفي أحدها أن أرى الديار في محلها بطرفي المتصل شعاعه إليها فتكون الرؤية حقيقة والباء للاستعانة حقيقة

والثاني أن أرى الديار بانطباعها في ناظري فالرؤية حقيقة والباء في بطرفي للظرفية بمعنى في وهي أيضا حقيقة وإن كان مجيئها لذلك أقل من مجيئها للاستعانة

والثالث أن أرى الديار في قلبي بطرفي الذي هو كالطاق في الكشف لي عنها فالرؤية على هذا على قول من يجعل الحواس كالطاقات حقيقة وعلى قول من يجعلها كالحجاب مجاز والباء في بطرفي للاستعانة على القولين

هذه الاحتمالات الثلاثة في أرى الديار بطرفي

وأما أرى الديار بسمعي ففيه ثلاثة احتمالات أيضا أحدها الأول وعلى هذا يكون أرى مجازا عن أسمع والديار حقيقة وأوقع الرؤية عليها لإرادة السمع المتعلق بلفظها فهو من مجاز التركيب فقد اجتمع فيه مجاز الإفراد ومجاز التركيب في لفظها والباء للاستعانة

الثاني الثاني ويكون أرى مجازا عن أسمع والديار مجاز في الإفراد عن لفظها الحاصل في الحس تنزيلا للفظ منزلة المعنى والباء للظرفية والمجاز في الفعل والمفعول من مجاز الإفراد

الثالث الثالث فعلى قول من يجعل الحواس كالطاقات يكون أرى يمكن أن يكون حقيقة ويمكن أن يكون مجازا وكذا الديار أما الحقيقة فيهما فلأن الديار تتمثل في قلب السامع بسبب سماع لفظها فيكون السمع استعارته في حصول معناها في القلب وأما المجاز فلأن الحاصل في القلب علم عند قوم وسمع عند آخرين فوصفه بالرؤية ولم يحصل من حاسة الرؤية تجوز

إذا عرفت هذه الاحتمالات في بيت الشريف الرضي فالأبلغ إرادة المعنى الثالث وهو فاتني أن يشهدها قلبي بسبب رؤيتي بطرفي فلعل أن يشهدها قلبي بسبب سماع لفظها

وهذا المعنى كشفه القاضي الفاضل بقوله مثلته الذكرى وقال لسمعي لأنه طريق إما حاجب أو طاق والأبلغ أنه جعله كالطاق وأشار إليه وإلى حضوره في قلبه بقوله كأني أتمشى هناك وقال بالأحداق ليعلم أن السماع لم ينقص عن الرية ولأجل الطباق ولما في المشي بالأحداث من الخضوع والذلة والمحبة ولما في مد الأحداق إلى مواضع المنظور وتنقلها من مكان إلى مكان من زيادة التمتع والنعيم وهو المراد بالتمشي والله أعلم

ذكر الوالد رضي الله عنه مرة ما قاله السهيلي في قوله ‏(‏ أومخرجي هم ‏)‏ وأن فيه دليلا على حب الوطن ثم قال أحسن من حب الوطن أن يقال تحركت نفسه لما في الإخراج من فوات ما ندب إليه من إيمانهم وهدايتهم فإن ذلك مع التكذيب والإيذاء مترقب ومع الإخراج منقطع وذلك هو الذي لا شيء عند الأنبياء عليهم السلام أعظم منه لأنه امتثال أمر الله تعالى وأما مفارقة الوطن فهو أمر جبلي والنبي أجل وأعلى مقاما من الوقوف عنده في هذا الموطن العظيم

حضرت الوالد رحمه الله مرة في ختمة وقد وصل القراء إلى سورة الإخلاص فقرءوها ثلاث مرات على العادة وكان على يمينه قاضي القضاة عماد الدين علي بن أحمد الطرسوسي الحنفي فالتفت إلى الشيخ الإمام وقال في خاطري دائما أن أسأل عن الحكمة في إطباق الناس على تكريرها ثلاثا

فقال له الشيخ الإمام لأنه قد ورد أنها تعدل ثلث القرآن فتحصل بذلك ختمة

فقال القاضي عماد الدين فلم لا يقرءنها ثلاثا بعد الواحدة التي تضمنتها الختمة ليحصل ختمتان

فقال الشيخ الإمام مقصود الناس تحقيق ختمة واحدة فإن القارئ إذا وصل إليها فقرأها ثم أعادها مرتين كان على يقين من حصول ختمة إما التي قرأها من الفاتحة إلى آخر القرآن وإما ثوابها بقراءة الإخلاص ثلاثا وليس المقصود ختمة أخرى وهذا معنى مليح

سمعت الشيخ يقول في الدرس نقل الشيخ أبو حامد مذهب الزهري الجلد يحل الانتفاع به قبل الدباغ ونقله صاحب التتمة وقال إنه ليس بنجس وهو صحيح وزاد فقال إنه وجه لأصحابنا عن ابن القطان أن الزهومة التي فيها نجسة فهو كثوب متنجس وهذا خلاف مذهب الزهري فجعله إياه مثله ليس بجيد

ونقل الرافعي ما في التتمة بدون ذكر الزهومة نجسة وجعله كالثوب النجس فأوهم أنه طاهر يحل الانتفاع به مطلقا وليس بجيد وزاد بعضهم فنقل الوجه أنه يجوز أكله قبل الدباغ وهذا لما أوهمه كلام الرافعي وليس بجيد وإنما يأتي ذلك على مذهب الزهري أما عندنا فلا

وجدت بخط الشيخ الوالد رضي الله عنه فكرت عند الاضطجاع في قول المضطجع باسمك اللهم وضعت جنبي وباسمك أرفعه فأدرت أن أقول إن شاء الله تعالى في أرفعه لقوله تعالى ‏{‏وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ‏}‏ ثم قلت في نفسي إن ذلك لم يرد في الحديث في هذا الذكر المنقول عند النوم ولو كان مشروعا لذكره النبي الذي أوتي جوامع الكلم فتطلبت فرقا بينه وبين كل ما يجريه الإنسان من الأمور المستقبلة المستحب فيها ذكر المشيئة

ولا يقال إن أرفعه حال ليس بمستقبل لأمرين أحدهما أن لفظه وإن كان كذلك لكنا نعلم أن رفع جنب المضطجع ليس حال اضطجاعه

والثاني أن استحباب المشيئة عام فيما ليس بمعلوم الحال أو المضي

وظهر لي أن الأولى الاقتصار على الوارد في الحديث في الذكر عند النوم بغير زيادة وأن ذلك ينبه على قاعدة يفرق بها بين تقدم الفعل على الجار والمجرور وتأخره عنه فإنك إذا قلت أرفع جنبي باسم الله كان المعنى الإخبار بالرفع وهو عمدة الكلام وجاء الجار والمجرور بعد ذلك تكملة وإذا قلت باسم الله أرفع جنبي كان المعنى الإخبار بأن الرفع كائن باسم الله وهو عمدة الكلام

فافهم هذا السر اللطيف وتأمله في جميع موارد كلام العربية تجده يظهر لك به شرف كلام المصطفى وملازمة المحافظة على الأذكار المأثورة عنه عليه أفضل

وإياك ثم إياك أن تنظر إلى إطلاق أن الجار والمجرور فضله في الكلام وتأخذه على الإطلاق بل تأمل موارد تقدمه وتأخره في الكتاب العزيز والسنة وكلام الفصحاء وتفهم هذه القاعدة الجليلة التي يفهم منها اللفظ والمعنى واعلم أنه لا بد من المحافظة على قواعد العربية وعلى فهم معنى كلام العرب ومقاصدها

وقواعد العربية تقتضي أن الجار والمجرور فضلة في الكلام لا عمدة له وأن الفعل هو المخبر به والاسم هو المخبر عنه فهذا أصل الكلام ووضعه ثم قد يكون ذلك مقصود المتكلم وقد لا يكون على هذه الصورة فإنه قد يكون المخبر عنه والمخبر به معلومين أو كالمعلومين ويكون محط الفائدة في كونه على الصفة المستفادة من الجار والمجرور كما نحن فيه فإن المضطجع ووضع جنبه معلوم ورفعه كالمعلوم وإنما قلنا كالمعلوم ولم نقل معلوم لأنه قد يموت

حضرت الشيخ رضي الله عنه وقد جاءه بريدي من جهة أرغون نائب الشام يقول له عنه قال لك ملك الأمراء بأي مستند تكتب على كتاب بعلبك وهو ملك غيرك بغير إذن صاحبه وقد أفسدته بكتابتك عليه

اكتب لنا جوابك

وكان الوالد قد كتب على مكتوب قرية حريثا من بعلبك أنه إثبات باطل فلا يغتر به وكان قصده الحق والخشية من الاغترار بالكتاب

فأخذ الوالد ورقا وكتب من رأس القلم ما أعطاه للبريدي ليوصله إلى ملك الأمراء

ونصه إن قيل ما مستندكم في الكتابة على كتاب بعلبك فالجواب أن مستندنا كتاب الله وسنة رسوله وإجماع المسلمين والقياس

أما كتاب الله فقوله ‏{‏لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ‏}‏ فإبطال الباطل من سنة الله فكتابتي عليه بالإبطال لذلك

وقال النبي ‏(‏ من رأى منكم منكرا فلغيره بيده ‏)‏ وكتابتي عليه تغيير بيدي وفي الحديث الصحيح ‏(‏ أمرنا رسول الله أن نقول أو نقوم بالحق حيث ما كنا لا نخاف في الله لومة لائم ‏)‏ فكتابتي عليه من القيام بالحق

وقال الله تعالى ‏{‏وَإِذَ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ‏}‏ فكتابتي عليه من البيان للناس

وقال ‏(‏ ليس لعرق ظالم حق ‏)‏ والكتاب الزور عرق باطل فيجب إزالته

وقال ‏(‏ إذا رأيت أمتي تهاب الظالم أن تقول له أنت ظالم فقد تودع منهم ‏)‏ والآيات والأحاديث في ذلك أكثر من هذا فهذا من الكتاب والسنة

وأما الإجماع فإجماع الصحابة مع عثمان رضي الله عنهم على تحريق المصاحف الباطلة لما فيها من زيادة أو نقص على المصحف المجمع عليه فإذا جاز تحريق الكتاب لباطل فيه فالكتابة عليه بالإبطال أولى

وأما القياس فعلى خصم الكتب في الابتياعات والأوقاف وغيرها حتى لا يغتر الناس بها إذا لم يكتب عليها فكان الواجب في هذا الكتاب بيان ما فيه وهو عندي في هذا الوقت أولى من إعدامه لأنه عند إعدامه قد يقول قائل كان ما فيه حقا وأما عند وجوده فالفاضل يتأمله فيفهم بطلانه

ولا ينبغي أن يعطى لمن كان في يده لأمرين

أحدهما أنه يتعلق به وقد يحصل منه إزالة ما كتب عليه وتلبيس يوصل إلى البطل ولكن يحفظ ي سلة الحكم فيراه كل قاض يأتي فيعتمد الحق ويجتنب الباطل

والثاني أن الكتب إنما يملكها من له فيها حق فإذا بيعت الدار فكتبها ينتقل ملكها بانتقال الدار إلى المشتري لتشهد له بملكها

وهذا الكتاب لا حق فيه لمن هو في يده لتزويره وبطلانه فلم يجب تسليمه إليه بل ولا يجوز إلا أن يغسل ويمحى ما فيه ويدفع له الرق مغسولا فلا يمنع ذلك وتوهم من نظر بعد ذلك فيه مندفع بعلمه بفعل ولاة الأمور لذلك الذين هم منتصبون لتحقيق الحق وإبطال الباطل

وقد أزال النبي الأصنام التي كانت على الكعبة بيده ونص الفقهاء على جواز إتلاف ما يوجد من التوراة والإنجيل وإن كان لورقها مالية وقد كانت ملك شخص معين أو أشخاص أو المسلمين فإذهاب ماليتها عليهم إنما هو لانطوائها على الباطل فهذا مثله لو كانت له قيمة فكيف ولا قيمة له لأنه إنما ينتفع به لشهادته بما فيه وما فيه باطل فلا منفعة له وما منفعة له لا قيمة له

وأيضا فإن الذي في يده هذا الكتاب قد دفع إلينا هذا الكتاب وهو مع غريمه متداعيا في حكم الشرع وقد تبين في حكم الشرع أنه لا حق له فيه فوجب علينا بحكم الشرع أن نبطله ونرفع يده عنه ويصير في يد الشرع ليستمر عمل الحق فيه وفي مقابله

وما برح الناس من العلماء والقضاة والشهود والكتاب في الديار المصرية وغيرها يكتبون على المكاتيب ما تجب كتابته من انتقال أو خصم أو غيره فكذلك هذا

والقول بأن هذا ملك الغير فلا يجوز إمساكه جهل من قائله أو عدم تأمل

ذكر شيء من مقالاته في أصول الديانات

ذهب إلى أن الكلام النفسي يسمع وهو أحد قولي الأشعري

وأن التعلق قديم وهو أيضا رأي الأشعري

وتردد في فناء الروح عند قيام القيامة قال والأظهر أنها لا تفنى أبدا

ورأى انحصار اللذات في العلوم والمعارف وهو رأي الإمام فخر الدين الرازي قال وما عداها دفع آلام

وذهب إلى امتناع المعاصي صغيرها وكبيرها عمدها وسهوها على الأنبياء عليهم السلام قبل النبوة وبعدها كما نص عليه في تفسيره في سورة الزمر

وقال البشر أفضل من الملك ولكن لا يجب على المكلف اعتقاد ذلك ولو لقي الله ساذجا من هذه المسألة لم يبال

وقال إن الرضا غير الإرادة ذكره في التفسير في سورة الزمر وحكى فيه أقوالا أحدها أنه نفسها والثاني غيرها وهو صفة فعل والثالث غيرها وهو صفة ذات وعزا هذين القولين إلى ابن كلاب ولم يرجح منهما شيئا

ومن كلامه في التصوف والمواعظ والحكم

وهذا بحر واسع يسع مجلدات وقد تضمن الكثير منه تصانيف له لطاف ونحن نشير إلى يسير مما لم يخصه بالتصنيف

سمعت الشيخ الإمام يقول الصوفي من لزم الصدق مع الحق والخلق مع الخلق

نقلت من خط الشيخ الإمام فكرت وجدت منشأ الفساد كله من الكبر وهو أول المعاصي لما استكبر إبليس وذلك أن القلب إذا كبر استعلى واحتقر غيره فيمنعه ذلك من قبول الموعظة ومن الانقياد وإذا صغر وحقر انقاد واستسلم وانطاع لمن هو أكبر منه فيؤثر فيه كلامه ووعظه ويعرف به الحق فيحصل له كل خير

ووجدت الصلاح كله في كلمتين من الحديث النبوي قوله ‏(‏ وعليك بخويصة نفسك وليسعك بيتك ‏)‏ أما قوله ‏(‏ وعليك بخويصة نفسك ‏)‏ فإن في الاشتغال بنفسه تهذيبها وتنقيتها من الدنس وتكسبها الصفات الحميدة التي تجاور بها رب العالمين والاشتغال بالناس لا خير فيه

وأما قوله ‏(‏ وليسعك بيتك ‏)‏ فالسلامة في العزلة ومتى خرج الإنسان من بيته تعرض للشقاء وانظر إلى قوله تعالى ‏{‏فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى‏}‏ وقد نظمت هذا المعنى في قولي

كبر القلب مانع من قبول ** لرشاد فكن صغيرا حقيرا

والزم البيت لا تفارقه شبرا ** تلق عند الخروج شرا كثيرا

انتهى

قلت رأيت بخط الشيخ الإمام رضي الله عنه في حائط خلوته تجاه وجهه ما نصه ‏(‏ كن حلس بيتك ‏)‏

‏(‏ انصر أخاك ‏)‏

‏(‏ كل المسلم على المسلم حرام ‏)‏

‏(‏ دع ما يريبك ‏)‏

‏(‏ عليك بخويصة نفسك ويسعك بيتك ‏)‏ انتهى كأنه كتبه تذكرة لنفسه كلما أراد أن يخرج من البيت رحمه الله ما كان أكثر مجاهدته للنفس

نقلت من خطه قدس الله روحه كل عمل العبد الصالح ينبغي له أن يخفيه عن كل أحد حتى يلاقي به الله تعالى يوم القيامة فهو أعلم به ويجازيه به وإذا تكلم مع أحد بقدر الضرورة في علم أو نحوه فينوي به إما إفادته أو الاستفادة فهذان الأمران ينبغي للعاقل أن يلزمهما ولا يغفل عنهما والتجربة تفيدهما وتفيد أن الناس عدم بالكلية لا ينفعون شيئا وإذا تحقق العبد ذلك انتفى عنه الرياء وخرج من قلبه محبته ولزم الأمرين المذكورين والله أعلم

وفي أصول الفقه والمنطق والبيان والنحو وفنون المغازي والسير والأنساب وغيرها

ذهب إلى أن المفهوم حجة في الشرع دون اللغة والعرف

وأن تقديم المعمول يفيد الاختصاص

وأن الاختصاص غير الحصر

وأن تعميم النكرة في سياق النفي باللزوم لا بالوضع

وأن العام المخصوص حقيقة قال والمراد به الخصوص مجاز بالإجماع

وأن قريشا ولد فهر بن مالك بن النضر بن كنانة وهو رأي شيخه الحافظ أبي محمد الدمياطي

وأن دمشق فتحت عنوة

وأن من الاستفهامية ليست للعموم في الإفراد بل للماهية ولا يظهر بينه وبين الأصوليين خلاف معنوي

وأن قولك من عندك يطلب به التصور لا التصديق قال ومن زعم أن المطلوب بها التصديق فقد غلط

وأن الجواب فيها مفرد لا مركب ولا يقدر له مبتدأ ولا خبر

قال وعلى هذا قوله تعالى ‏{‏وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ‏}‏ قال وقد جاء في الآية الأخرى ‏{‏خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ‏}

قال وهو ابتداء كلام يتضمن الجواب وليس اقتصارا على نفس الجواب بخلاف الآية قبلها

قال فقوله ‏{‏الله‏}‏ في جواب ‏{‏وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ‏}‏ اسم مفرد والذي تقدره النحاة من أنه خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ خبره محذوف ونحو ذلك إنما يصح بأحد طريقين أحدهما أن لا يراد الاقتصار على الجواب بل زيادة إفادة الإخبار كما قلناه في قوله تعالى ‏{‏خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ‏}‏ ويحصل في ضمن ذلك الجواب وهو إفادة التصور

والثاني أن يراد الاقتصار على الجواب لفظا ويدل بالالتزام على المعنى التصديقي وهو أن الله خلقهم فنظر النحاة إلى هذا المعنى الالتزامي وأعربوا عليه لأن صناعتهم تقتضي النظر فيه ليكون كلاما تاما وليس من صناعتهم النظر في المفرد

قال لكن يبقى بعد هذا بحث وهو أنه إذا كان مفردا فحقه أن لا يعرب لأن الأسماء قبل التركيب لا معربة ولا مبنية وإذا لم يكن معربا فحقه أن ينطق به موقوفا وهو قد جاء في القرآن مرفوعا فلعل هذا مراعاة لما استفيد منه بدلالة الالتزام فجعل كالمركب وهو الذي بنى عليه النحاة إن ثبت أن الأسماء المفردة لا يجوز النطق بها مرفوعة وإلا فقد يقال إنها ينطق بها على هيئة المرفوع لأن الرفع أقوى الحركات ولهذا نقول في العدد واحد اثنان بالألف كهيئة المرفوع

قال وأصل هذا إذا قيل ما الإنسان فقيل الحيوان الناطق فإنه مفرد ليس بكلام إنما يقصد به ذكر هذا لتصور حقيقة الإنسان ولهذا يعد المنطقيون الحد خارجا عن الكلام ومتى قيل هو الحيوان الناطق كان دعوى لا حدا والنحاة لم يتعرضوا لذلك

وذهب إلى أن الجار والمجرور والظرف إذا وقعا خبرا يكونان خبرا ولا يقدر فيهما كائن ولا استقر

وقد رأيته معزوا إلى أبي بكر بن السراج شيخ أبي علي الفارسي في كتاب الشيرازيات

وذهب إلى أن غزوة ذات الرقاع كانت بعد خيبر كما هو رأي البخاري وخالف فيه شيخه الدمياطي وأهل المغازي ابن إسحاق وابن سعد والواقدي وموسى بن عقبة وخليفة بن خياط وغيرهم

وذهب إلى أن الحسن لم يسمع من سمرة شيئا لا حديث العقيقة ولا غيره وهو رأي أحمد بن حنبل ويحيى بن معين

وأنكر أن يكون يعقوب أو شعيب أو غيرهما من الأنبياء عليهم السلام حصل له عمى وشدد النكير على مدعيه وأول جميع الظواهر الواردة فيه

قال الشيخ الإمام يقال جاء شيء

ولا يقال جاء جاء

وإن كان الجائي أخص من شيء وذلك لأن جاء مسند والمسند إليه الفاعل ومعرفة المسند إليه متقدمة على معرفة المسند فمن عرف الجائي عرف المجيء فلا يبقى في الإسناد فائدة والشيء قد يعرف ولا يعرف مجيئه

ذكر عدد مصنفاته رحمه الله

الدر النظيم في تفسير القرآن العظيم لم يكمل

تكملة المجموع في شرح المهذب بنى على النووي رحمه الله من باب الربا ووصل إلى أثناء التفليس في خمس مجلدات

التحبير المذهب في تحرير المذهب وهو شرح مبسوط على المنهاج كان ابتدأ فيه من كتاب الصلاة فعمل قطعة نفيسة ذكر لي أن الشيخ علاء الدين أبا الحسن الباجي وقف عليها فقال له هذا ينبغي أن يكون على الوسيط لا المنهاج فأعرض عنه

الابتهاج في شرح المنهاج للنووي وصل فيه إلى أوائل الطلاق

الإيهاج في شرح المنهاج في أصول الفقه عمل منه قطعة يسيرة فانتهى إلى مسألة مقدمة الواجب ثم أعرض عنه فأكملته أنا

رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب بدأ فيه فعمل قليلا من أوله ومن المنطق وأنا لم أقف على هذه القطعة ولكن بلغني أنها نحو كراسة واحدة وقد وسمت أنا شرحي على المختصر بهذا الاسم تبركا بصنع الوالد رضي الله عنه

الرقم الإبريزي في شرح مختصر التبريزي

الوشي الإبريزي في حل التبريزي لم يكملا

كتاب التحقيق في مسألة التعليق وهو الرد الكبير على ابن تيمية في مسألة الطلاق

رافع الشقاق في مسألة الطلاق وهو الصغير

أحكام كل وما عليه تدل

بيان حكم الربط في اعتراض الشرط على الشرط

شفاء السقام في زيارة خير الأنام وهو الرد على ابن تيمية وربما سمي شن الغارة على من أنكر السفر للزيارة

السيف المسلول على من سب الرسول

التعظيم والمنة في ‏{‏لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ‏}

منية الباحث عن حكم دين الوارث

نور الربيع من كتاب الربيع وهو كتاب جليل حافل كان وضعه على الأم لم يتمه وما كتب منه إلا قليلا

الرياض الأنيقة في قسمة الحديقة

الإقناع في الكلام على أن لو للامتناع

وشي الحلى في تأكيد النفي بلا

الرد على ابن الكتناني

الاعتبار ببقاء الجنة والنار

ضرورة التقدير في تقويم الخمر والخنزير

كيف التدبير في تقويم الخمر والخنزير

السهم الصائب في قبض دين الغائب

الغيث المغدق في ميراث ابن المعتق

فصل المقال في هدايا العمال

مختصر فصل المقال

نور المصابيح في صلاة التراويح ضياء المصابيح ضوء المصابيح إشراق المصابيح تقييد التراجيح ومصنفان آخران في ذلك تكملة سبعة

إبراز الحكم من حديث ‏(‏ رفع القلم ‏)‏

الكلام على حديث ‏(‏ رفع القلم ‏)‏

الكلام على حديث ‏(‏ إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث ‏)‏

الكلام مع ابن أندراس في المنطق

جواب سؤال علي بن عبد السلام

أجوبة أهل طرابلس

رسالة أهل مكة

أجوبة أهل صفد

فتوى أهل الإسكندرية

الفتوى العراقية

جواب سؤالات الشيخ الإمام نجم الدين الأصفوني نزيل مكة

المناسك الكبرى

المناسك الصغرى

كشف الغمة في ميراث أهل الذمة

الفتاوى

فتوى كل مولود يولد على الفطرة

مسألة فناء الأرواح

مسألة في التقليد في أصول الدين

النوادر الهمدانية

إحياء النفوس في صنعة إلقاء الدروس

المفرق في مطلق الماء والماء المطلق

الاتساق في بقاء وجه الاشتقاق

الطوالع المشرقة في الوقف على طبقة بعد طبقة

المباحث المشرفة

النقول والمباحث المشرقة

طليعة الفتح والنصر في صلاة الخوف والقصر

مختصر طبقات الفقهاء

أحاديث رفع اليدين

المسائل الحلبية وهي التي سئل عنها من حلب

أمثلة المشتق وهي أرجوزة

القول الصحيح في تعيين الذبيح

القول المحمود في تنزيه داود

الجواب الحاضر في وقف بني عبد القادر

حديث نحر الإبل

قطف النور في مسائل الدور

النور في الدور وله فيها مصنف ثالث وهذا في الديار المصرية ثم رجع عن مقالة ابن الحداد وصنف في الشام مصنفين آخرين في ذلك أحدهما أملاه علي

مسألة ما أعظم الله

مسائل سئل عن تحريرها في باب الكتابة

مسألة هل يقال العشر الأواخر

مختصر كتاب الصلاة لمحمد بن نصر

الإقناع في تفسير قوله تعالى ‏{‏مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ‏}

الرفده في معنى وحده

جواب سؤال من القدس الشريف

منتخب تعليقه الأستاذ في الأصول

عقود الجمان في عقود الرهن والضمان

مختصر عقود الجمان

ورد العلل في فهم العلل

وقف بني عساكر

البصر الناقد في لا كلمت كل واحد

الكلام على الجمع في الحضر لعذر المطر

الصنيعة في ضمان الوديعة النقول البديعة في ضمان الوديعة حسن الصنيعة في ضمان الوديعة

التهدي إلى معنى التعدي

بيان المحتمل في تعدية عمل

الحلم والأناة في إعراب قوله ‏{‏غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ‏}

القول الجد في تبعية الجد

الإغريض في الحقيقة والمجاز والكناية والتعريض

تفسير ‏{‏يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا‏}‏ وهو غير التهدي وغير بيان المحتمل أبسط منهما

المواهب الصمدية في المواريث الصفدية

كشف الدسائس في هدم الكنائس

تنزيل السكينة على قناديل المدينة

الطريقة النافعة في المساقاة والمخابرة والمزارعة

من أقسطوا ومن غلوا في حكم نقول لو

نيل العلا بالعطف بلا

حفظ الصيام عن فوت التمام

جواب سؤال ورد من بغداد

كتاب الحيل وهو جواب سؤال بيبغاروس نائب حلب الوارد من حلب

كم حكمة أرتنا أسئلة أرتنا وهو جواب عن أسئلة وردت من أرتنا ملك الروم

جواب أهل مكة

جواب المكاتبة في حارة المغاربة

هرب السارق

خروج المعتدة

معنى قول الإمام المطلبي إذا صح الحديث فهو مذهبي

سبب الانكفاف عن إقراء الكشاف

وقف بيسان

وقف أولاد الحافظ

النظر المعيني في محاكمة أولاد اليونيني

موقف الرماة في وقف حماه مركز الرماة

القول النقوي في الوقف التقوي

القول المختطف في دلالة كان إذا اعتكف

كشف اللبس عن المسائل الخمس

غيرة الإمان لأبي بكر وعمر وعثمان

أجوبة سؤالات أرسلت إليه من مصر حديثية أوردها بعض المشايخ على كتاب تهذيب الكمال للحافظ المزي

مسألة زكاة مال اليتيم

الكلام على لباس الفتوة وهو فتوى الفتوة

بيع المرهون في غيبة المديون

الألفاظ هل وضعت بإزاء المعاني الذهبية أو الخارجية

أجوبة مسائل سألته أنا عنها في أصول الفقه

العارضة في البينة المتعارضة

مسألة تعارض البينتين

كتاب بر الوالدين

أجوبة أسئلة حديثية وردت من الديار المصرية

الكلام على قوله تعالى ‏{‏لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنُّ‏}

نصيحة القضاة

الاقتناص في الفرق بين الحصر والقصر والاختصاص في علم البيان

ذكر النبأ عن وفاته رضي الله تعالى عنه وأرضاه

ابتدأ به الضعف في ذي القعدة سنة خمس وخمسين وسبعمائة واستمر عليلا إلا أنه لم يحم قط

وسمعته يقول كنت أقرأ سيرة النبي لابن هشام في سنة ست وسبعمائة فعرضت لي حمى في بعض الأيام وجاء وقت الميعاد فأتى كاتب الأسماء وقال وأنا محموم قد اجتمعت الناس فكدت أبطل ثم قلت لا والله لا بطلت مجلسا تذكر فيه سيرة النبي فتحاملت وأنا محموم وقرأت الميعاد ووقع في نفسي أني لا أحم أبدا فما حصلت لي حمى بعدها

واستمر بدمشق عليلا إلى أن وليت أنا القضاء ومكث بعد ذلك نحو شهر وسافر إلى الديار المصرية وكان يذكر أنه لا يموت إلا بها فاستمر بها عليلا يويمات يسيرة ثم توفي ليلة الاثنين المسفرة عن ثالث جمادى الآخرة سنة ست وخمسين وسبعمائة بظاهر القاهرة ودفن بباب النصر تغمده الله برحمته ورضوانه وأسكنه فسيح جنانه

وأجمع من شاهد جنازته على أنه لم ير جنازة أكثر جمعا منها

قالوا إنه لما مات ليلا بالجزيرة ما انفلق الفجر إلا وقد ملأ الخلق ما بين الجزيرة إلى باب النصر ونادت المنادية مات آخر المجتهدين مات حجة الله في الأرض مات عالم الزمان وهكذا ثم حمل العلماء نعشه وازدحم الخلق بحيث كان أولهم على باب منزل وفاته وآخرهم في باب النصر وقيل لم يحاك ما يقال عن جنازة الإمام أحمد بن حنبل سوى جنازة الشيخ الإمام في كثرة اجتماع الناس تغمده الله برحمته

حكى لي الشيخ الإمام العالم الصالح فخر الدين الضرير قال لم أكن اجتمعت بالشيخ الإمام وليلة موته قلت هذا شيخ المسلمين فأقوم للصلاة عليه وشهود جنازته خالصا لله فإني لا أعرفه ولا أعرف أحدا من أولاده ولا من خواصه

قال ولم أكن أعرف أحدا منكم

قال ففعلت ذلك ثم نمت ليلتي تلك فرأيته في المنام في مكان مرتفع وهو يقول بلغني صنيعك

وتكاثرت المنامات عقب وفاته من الصالحين وغيرهم بما هو الظن به عند ربه ولو حكيناها لطال الشرح

وحكى بعض الصالحين قال رأيته في المنام بعد ليلتين أو ثلاث من موته فقلت له ما فعل الله بك قال فتحت لي أبواب الجنة وقال لي ادخل

فقلت وعزتك لا أدخل حتى يدخل كل من حضر الصلاة علي

رحمه الله تعالى

ذكر شيء مما سمعناه من مراثيه

وما أنشد أهل العصر فيه

أما المدائح فتربو على مجلدات فلا معنى للتطويل بها وأما المراثي فنذكر منها ما حضرنا

كتب إلي شاعر الوقت جمال الدين محمد بن محمد بن محمد بن الحسن بن نباتة وسمعتها من لفظه

نعاه للفضل والعياء والنسب ** ناعيه للأرض والأفلاك والشهب

ندب رأينا وجوب الندب حين مضى ** فأي حزن وقلب فيه لم يجب

نعم إلى الأرض ينعى والسماء على ** فقيدكم يا سراة المجد والحسب

بالعلم والعمل المبرور قد ملئت ** أرض بكم وسماء عن أب فأب

مقدم ذكر ماضيكم ووارثه ** في الوقت تقديم بسم الله في الكتب

آها لمجتهد في العلم يندبه ** من بات مجتهدا في الحزن والحرب

بينا وفود العلى والعلم ينزلهم ** إذ نازلتنا الليالي فيه عن كثب

وأقبلت نوب الأيام واترة ** إذ كان عونا على الأيام والنوب

ففاجأتنا يد التفريق مسفرة ** عن سفرة طال فيها شجو مرتقب

وجاء من نحو مصر مبتدا خبر ** لكن به السمع منصوب على النصب

قالت دمشق بدمع النهر واخبرا ** فزعت فيه بآمالي إلى الكذب

حتى إذا لم يدع لي صدقه أملا ** شرقت بالدمع حتى كاد يشرق بي

وكلمتنا سيوف الكتب قائلة ** ما السيف أصدق إنباء من الكتب

وقال موت فتى الأنصار مغتبطا ** الله أكبر كل الحسن في العرب

لقد طوى الموت من ذاك الفرند حلى ** كانت حلى الدين والأحكام والرتب

وخص مغنى دمشق الحزن متصلا ** بفرقتين أباتتها على وصب

بين وموت يؤوب الغائبون ومن ** يجمع مغيبهما تالله لم يؤب

كادت رياح الأسى والشجو يعكسها ** حتى الغصون بها معكوسة العذب

والجامع الرحب أمسى صدره حرجا ** والنسر ضم جناحيه من الرهب

وللمدارس هم كاد يدرسها ** لولا تدارك أبناء له نجب

من للهدى والندى لولا بنوه ومن ** للفضل يسحب أذيالا على السحب

من للفتوة والفتوى مجانسة ** في الصيغتين وفي الحالين للأدب

من للتواضع حيث القدر في صعد ** على النجوم وحيث الحلم في صبب

من للتصانيف فيها زينة وهدى ** ورجم باغ فيالله من شهب

أمضى من النصل في نصر الهدى فإذا ** سلت نصال العدى أوقى من اليلب

من للفضائل والأفضال قد جمعت ** بين السراة إلى دار بها درب

ذو همة في العلا والعلم قد بلغت ** شأو السماك وما تنفك في دأب

حتى رأى العلم شفع الشافعي به ** وقال من ذا وذا أدركت مطلبي

من للتهجد أو من للدعا بسطت ** به وبالجود فينا راحتا تعب

من للمدائح منا قد صفت وحلت ** كأنما افتر منها الطرس عن شنب

من للمحامد قد قامت خطابتها ** على معاليه في قاص ومقترب

لهفي وقد لبست حزنا لفرقته ** حدادها أسطر الأشعار والخطب

لهفي لنظام مدح فكر أجمعهم ** بالهم لا بالذكا أمسى أبا لهب

كأن أيدي الورى تبت أسى فغدت ** من عي أقلامها حمالة الحطب

لهفي على الطهر في عرض وفي سمة ** وفي لسان وفي حلم وفي غضب

واقي الشريعة من تخليط من ردعوا ** فما يخوضون في جد ولعب

محجب غير ممنوع اللقا بسنا ** عليائه ومهيب غير محتجب

أضحى لسبك بجزء من مناقبه ** على العراق فخار غير منتقب

لهفي لعلمين مروي ومجتهد ** لهفي لفضلين موروث ومكتسب

آها لمرتحل عنا وأنعمه ** ملء الحقائب للطلاب والحقب

إيمان حب إلى الأوطان حركه ** حتى قضى نحبه يا طول منتحب

لهفي لكل وقور من بنيه بكى ** وهو الصواب بصوب الواكف السرب

وكل نادبة في الحجب قلن لها ** يا أخت خير أخ يا بنت خير أب

إلى الحسين انتهى مسرى علي فلا ** هنئت يا خارجي الهم بالغلب

بعد الإمام علي لا ولاء لنا ** من الزمان ولا قربى من النسب

يا ثاويا والثنا والحمد ينشره ** بقيت أنت وأفنتنا يد الكرب

نم في مقام نعيم غير منقطع ** ونحن في نار حزن غير متئب

سهام حزن تقسمنها عليك فإن ** تقسم توف وإن ترم الحشا تصب

تحلبت بالبكا أجفان مدكر ** أخلاف برك إن نستسقها نصب

ما أعجب الحال لي قلب بمصر وفي ** دمشق جسم ودمع العين في حلب

من لي بمصر التي ضمتك تجمعنا ** ولو بطون الثرى فيها فيا طربي

بالرغم منا رثاء بعد مدحك لا ** يسلى ونحن مع الأيام في شجب

ما بين أكبادنا والهم فاصلة ** كلا ولا لصنيع الشعر من سبب

أما القريض فلولا نسلكم كسدت ** أسواقه وغدت مقطوعة الجلب

قاضي القضاة عزاء عن إمام تقى ** بالفضل أوصى وصاة المرء بالعقب

فأنت في رتب العليا وما وسقت ** بحر يحدث عنه بالحر بالعجب

ما غاب عنا سوى شخص لوالدكم ** وعلمه والتقى والجود لم يغب

جادت ثراك أبا السادات سحب رضى ** تزهى بذيل على مثواك منسحب

وسار نحوك منا كل شارقة ** سلام كل شجي القلب مكتئب

تحية الله نهديها ونتبعها ** فبعد فقدك ما في العيش من أرب

وخفف الحزن إنا لاحقون بمن ** مضى فأمضى شباة الحادث الذرب

إن لم يسر نحونا سرنا إليه على ** أيامنا والليالي الدهم والشهب

إنا من الترب أشباح مخلقة ** فلا عجيب مآل الترب للترب

وقال أديب الزمان القاضي صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي أمته الله به

أي طود من الشريعة مالا ** زعزعت ركنه المنون فزالا

أي ظل قد قلصته المنايا ** حين أعيا على الملوك انتقالا

أي بحر كم فاض بالعلم حتى ** كان منه بحر البسيطة آلا

أي حبر مضى وقد كان بحرا ** فاض للواردين عذاب زلالا

أي شمس قد كورت في ضريح ** ثم أبقت بدرا يضي وهلالا

مات قاضي القضاة من كان يرقى ** رتب الإجتهاد حالا فحالا

مات من فضل علمه طبق الأرض ** مسيرا وما تشكي كلالا

كان كالشمس في علوم إذا ما ** أشرقت أصبح الأنام ذبالا

كان كل الأنام من قبل ذا العصر ** عليه في كل علم عيالا

كان فرد الوجود في الدهر يزهى ** بمعالي أهل العلوم جمالا

فمضوا قبله وكان ختاما ** بعدهم فاعتدى الزمان وصالا

كملت ذاته بأوصاف علم ** علم البدر في الدياجي الكمالا

وأنام الأنام في مهد عدل ** شمل الخلق يمنة وشمالا

فلمن بعده نشيد رحابا ** ولمن بعده نشد رحالا

وهو إن رمت مثله في علاه ** لم تجد في السؤال عنه سوى لا

أحسن الله للأنام عزاهم ** فهم بالمصاب فيه ثكالى

ومصاب السبكي قد سبك القلب ** وأودى منا الجلود انتحالا

خزرجي الأصول لو فاخر النجم ** علا مجده عليه وطالا

خلق كالنسيم مر على الروض ** سحيرا وعرفه قد توالى

يد جودها يفوق الغوادي ** تلك ماء همت وذا صب مالا

أيها الذاهب الذي حين ولى ** صار منه عز الدموع مدالا

لو أفاد الفداء شخصا لجدنا ** بنفوس على الفدا تتغالى

أنفس طال ما تنفس عنها ** منك كرب يكظها واستحالا

أنت بلغتها المنى في أمان ** فاستفادت غنى وعزت منالا

من لنا إن دجت شكوك شكونا ** من أذاها في الدهر داء عضالا

كنت تجلو ظلامها ببيان ** حل من عقلنا الأسير عقالا

من يعيد الفتوى إلى كل قطر ** منه جاءت جوابها يتلالا

قد صببت الصواب فيها وأهديت ** هداها وقد محوت المحالا

فيقول الورى إذا ما رأوها ** هكذا هكذا وإلا فلالا

فليقل من يشاء ما شاء إن الموت ** أردى الغضنفر الرئبالا

وإذا ما خلا الجبان بأرض ** طلب الطعن وحده والنزالا

قد تقضى قاضي القضاة تقي الدين ** سبحان من يزيل الجبالا

فالدراري من بعده كاسفات ** وإذا ما بدت تراها خجالى

كان طودا في علمه مشمخرا ** مد في الناس من بنيه ظلالا

فبهاء بها ونعمت وتاج ** فوق فرق العلياء راق اعتدالا

هو قاضي القضاة صان حماه ** من عوادي الزمان ربي تعالى

وهداه للحكم في كل يوم ** فيه يرعى الأيتام والأطفالا

وحباه الصبر الجميل ووفاه ** ثوابا يهمي سحابا ثقالا

ليبيد العدى جلادا ويغدو ** فيفيد الندى ويبدي الجدالا

وقال أيضا مما كتب به إلى الشيخ بهاء الدين أبي حامد أحمد

أهكذا جبل الإسلام ينهدم ** وهكذا سيفه المسلول ينثلم

وهكذا جيشه المعهود نصرته ** على أعاديه بعد اليوم ينهزم

وهكذا مجده الراسي قواعده ** تنحط منه أعاليه وتنحطم

وهكذا البدر في أعلى منازله ** وسعده قد محت أنواره الظلم

وهكذا البحر يمسي وهو ذو يبس ** من بعد ما كان بالأمواج يلتطم

وهكذا الدين قد أزرى به خنس ** من بعد ما كان في عرنينه شمم

وهكذا كل ميت حل في جدث ** بكى له الفاقدان العلم والكرم

وقد نعى العدل منه سيرة كرمت ** يحفها الزاهران الحلم والنعم

والورق تملي لنا في وصفه خطبا ** يقلها المنبران البان والسلم

ولو أراد الأعادي كتمها اعترفت ** بفضلها الشاهدان العرب والعجم

قل للعدي إن جهلتم قدر رتبته ** فالبيت يعرفه والحل والحرم

والليل والذكر والمحراب شاهده ** والشرع والحكم والتصنيف والقلم

ومن يقل إنه يدري مكانته ** فما خفي عنهم أضعاف ما علموا

فكم كماة من النظار قد مهروا ** في البحث جاءوا بما ظنوا وما زعموا

فكر فيهم بلا فكر وجدلهم ** جداله ثم لما سلموا سلموا

وقصروا عن مبادي غاية حصلت ** له وأين عقاب الجو والرخم

ولوا فرارا وقد ألقوا سلاحهم ** وهم أناس على التحقيق قد وهموا

عليه هزمهم في كل معركة ** وما عليه بهم عار إذا انهزموا

شكوا فتورا رأوه في بصائرهم ** ولو ألموا به من قبل ما ألموا

ما الناس إلا سواء في بيوتهم ** ما الشأن في أمرهم إلا إذا التحموا

كل يرى أنه إذ راح منفردا ** ليث وأقلامه من حوله أجم

فإن تضمهم وقت الجدال وغى ** فعندها يظهر الأقدار والقيم

تزايد الحلم من زاكي سجيته ** فلم يكن من عداه قط ينتقم

موفق الحكم والفتوى على رشد ** ما ند منه على ما قد مضى ندم

كم بات ينصر مظلوما رآه وقد ** أوذي وجانبه بالضعف يهتضم

كان ابن تيمية بالفضل معترفا ** وهو الألد الذي في بحثه خصم

يثني عليه وقد أبدى بفكرته ** أوهامه فيراها وهو يبتسم

وما أقر لمخلوق سواه وفي ** زمانه كل حبر علمه علم

قاضي القضاة تقي الدين حين قضى ** غدا أولو الحلم لم يهناهم الحلم

وكيف يهنأ عيش بعده وبه ** قد كان شمل الهدى بالحق يلتئم

فاليوم أقفر ربع المكرمات وقد ** شط المزار وأقوت دونها الخيم

مات الذي كانت الأعلام تسأله ** في غامض العلم للسؤال يحتلم

مات الذي كان إن تسأله غامضة ** خلاك من حليها في العلم تحتكم

يا سائرا فوق أعناق الرجال وكم ** سعت له في المعالي والهدى قدم

خدمت علمك وقتا والأنام إلى ** يوم القيامة فيما قلته خدم

تركت فينا تصانيفا تخاطبنا ** فأنت حي ولما تنشر الرمم

ما مثل سيرتك المثلى إذا ذكرت ** بالحمد تبدا وبالتقريظ تختتم

أقمت في مصر والأخبار نافحة ** طيبا تسير بها الوخادة الرسم

ما كنت إلا إمام الناس قاطبة ** في النقل والعقل تقضي كلما اختصموا

وكل مشكلة في الدين معضلة ** يضيق فيها على سلاكها اللقم

تحل شبهتها من حيث ما عرضت ** بالحق إذ ليس في الترجيح تتهم

تأوي إليك نفوس العارفين لما ** تراه منك وترعى عندك الذمم

مطهر الذات من عيب تضير لنا ** منك العوارف والأخلاق والشيم

يكاد من رقة فيه يهب صبا ** هذا وقد برحت أجداثه الحطم

من أجل ذاك غدت أيامه غررا ** بيضا ولم يقض فيها أن يراق دم

كف على عدد الأيام في هبة الأنفال ** ما سامها من بذلها سأم

أقول لما نأى عن جلق ونأت ** عنها غوادي الحيا وانجابت الديم

يا من يعز علينا أن نفارقهم ** وجداننا كل شيء بعدكم عدم

لكن صبرنا على التفريق وهو أذى ** وما لجرح إذا أرضاكم ألم

مهما نسيت فما أنسبت برك بي ** عند الظما ونداك البارد الشبم

وفرط جبرك إذ تثني علي بما ** لا أستحق وذاك الحفل مزدحم

حتى أغالط نفسي في حقيقة ما ** أدريه منها وفي علمي بها أهم

فعلا من طبع الباري سجيته ** على مكارم منها الناس قد حرموا

وكاد دهري لياليه تسالمني ** وكاد يصرف عني الشيب والهرم

والله لا فترت مني الشفاه عن الدعا ** ولا افتر لي من بعد ذاك فم

فاصبر أبا حامد فالناس قد فجعوا ** فيمن مضى لم تخصص أنت دونهم

تشارك الناس في هذا العزاء كما ** نعمى أياديه فيها الناس تقتسم

وانظر وقس يا إمام الناس كلهم ** فإن سلمت فكل الناس قد سلموا

هذي المصيبة بالإسلام قد نزلت ** فانظر عرى الدين مها كيف تنفصم

ما مثل من قد مضى يبكى عليه ولا ** تجري على وجنتيك الأدمع السجم

فإنه في جنان الخلد في دعة ** لكفه الحور والولدان تستلم

فقدس الله ذاك الروح منه ولا ** أراه يوم اللقا والحشر ما يصم

وقال أيضا

الله أكبر أي بحر غاضا ** من بعد ما جعل العلوم رياضا

قاضي القضاة قضى فيالمصيبة ** لم تبق في جفن الهدى إغماضا

تمت فعمت كل شخص مسلم ** واستوفت الأبعاد والأبعاضا

فجعت أئمة عصرنا في حبرهم ** فقلوبهم أمست لذاك مراضا

إني لأعجب للمنية كيف قد ** كفت لسانا عنده نضناضا

قد كان نقادا فإن هو جاءه النقال ** يرجع بعد ذا نقاضا

من للشريعة إن أتاها مبطل ** أو حص ريش جناحها أوهاضا

إن غاضه بالحق حين يقوله ** أضحى يحرك رأسه إنغاضا

ويكون منه لكل داء حاسما ** يعطي ويأخذ من نهاه قراضا

ذهن يفوت البارقات تسرعا ** ويفوقها في جوها إيماضا

وبه على المقصود يصبح واقعا ** إن غاض فهم سواه منه فاضا

وله التصانيف التي في الفقه قد ** أمست طوالا في الأنام عراضا

لم يبق علم مشكل بين الورى ** إلا وشق البحر منه وخاضا

حتى انتقى منه لآليه التي ** تمسي الجواهر عندها أعراضا

وغدا تكون مسودات علومه ** منها صحائفه تشف بياضا

كم حجة لمعاند أو ملحد ** أمسى لنظم دليلها دحاضا

ما كان يخشى من أفاعي البحث في ** يوم الجدال إذا نحته عضاضا

قد كان فارس كل علم غامض ** تلقاه في ميدانه ركاضا

ما راح إلا كي تحل لقربه ** حلل القبول من العلى وتفاضا

كم قد تغمد حلمه من مذنب ** عنه تغافل تارة وتغاضى

وإذا توعد من أسا ينسى وإن ** وعد الولي ما احتاج أن يتقاضى

أراؤه الحسنى إذا ما أرسلت ** منها السهام أصابت الأغراضا

ما ينقضي منه الجميل لطالب ** حتى يشاهد غيره قد آضا

وتراه إن أبدى الزمان قطوبه ** وخطوبه متبسما مرتاضا

من ظن أن سيرى لذلك ثانيا ** في عمره فأنا أراه خضاضا

عزفت عن الدنيا الدنية نفسه ** وتجنبت في فعلها الأغراضا

من كفه ظفرت بجوهر فوزه ** أتراه يطلب بعدها الأعراضا

ما أقبلت يوما عليه بوجهها ** إلا ويمنح قربها الإعراضا

غيظ الأعادي كونه أسدا وقد ** جعل الإله له الوقار غياضا

كم قد شفى قلبا من الشبه التي ** جعلته طول زمانه ممراضا

وعظ به سيف الشريعة مصلت ** وترى مهنا فضله فياضا

تلقاه سارية الفتاوى في الورى ** فيقلها لما غدا عرباضا

وإذا الزمان أتى بخطب فادح ** أبصرت قواما به نهاضا

قسما بما أبدت يداه من ندى ** حتى لقد ملأ الوفاض وفاضا

لا حلت عن عهد الوفاء له وما ** قلبي الذي يعتاد أن يعتاضا

بئس الحياة أعيشها من بعده ** من يرتضي الإضرام والأمراضا

فسق ضريحا قد حواه سحابة ** حملت وأثقلها الغمام مخاضا

وقال الشيخ برهان الدين إبراهيم القيراطي

أمسى ضريحك موطن الغفران ** ومحل وفد ملائك الرحمان

حيا المهيمن منك روحا مذ علت ** حييت بذاك الروح والريحان

وتبوأت غرف الجنان وجوزيت ** فيها على الإحسان بالإحسان

وتلقيت بتحية وأتت لها ** تحف الجنان على يدي رضوان

واستبشرت بقدومها أملاكها ** وسعى لها رضوان بالرضوان

روح لها حور الجنان تشوقت ** حبا لها كتشوق الولدان

كانت لها الدنيا محلا أولا ** والجنة العليا محلا ثان

لا شيء بعدك يا علي من الورى ** حسن بعين بصيرتي وعياني

سقيا لمعهدك الذي قد شاقني ** ومحل منزلك الذي أبكاني

قبر عليه من العلوم مهابة ** تبدو وأنس تلاوة القرآن

ناديته فأجابني بعلومه ** مستبشرا فكأنه ناداني

من للمذاهب والمواهب عندما ** يخشى ظهور الفقر والحرمان

ومدارس العلم التي قد أصبحت ** وكأنهم دواوس البنيان

من بعد ما قد كان في أفلاكها ** شمسا يشار لنحوها بنيان

يأبى الجواب فما يراجع هيبة ** والسائلون نواكس الأذقان

ما خف فوق صراطه إلا وقد ** ثقلت له الحسنات في الميزان

في حالتي حفظ الشريعة والندى ** سيف على الجاني وروض الجاني

إن صال وقت البحث قلنا هكذا ** فليفعل الأقران بالأقران

إن أجريت مستنبطات علومه ** وقف البرية موقف الإذعان

كم شبهة كالليل يعدو لبسها ** فيردها كالصبح بالبرهان

أبكيك يوم تنازع الخصمين في ** شك يحار بأمره الخصمان

يا شمس طال الليل بعد مغيبها ** كيف الصباح وأنت في الأكفان

يا ثاني الفجرين بل يا ثالث القمرين ** بل يا واحد الأزمان

يمضي الجديد من الزمان وحزننا ** باق على قدم الزمان الفاني

قف بالقبور وناد فيها نادبا ** من كان في شغل عن الحدثان

أين الذين إذا هم عقدوا الحبى ** حلوا بأرفع رتبة ومكان

قوم إذا حضروا مجالس علمهم ** حكمت عمائمهم على التيجان

قم باكيا متأوها مسترجعا ** لمصاب هذا العالم الرباني

أعظم بيوم مصابه من مصرع ** في مصر حل بسائر البلدان

حبر له بالشام أعظم موقع ** ساق العداء إلى شج حران

أدى البريد نعيه فيها فيا ** فضل الأصم على ذوي الآذان

أعزز علي بأن أصوغ رثاء من ** كان المديح لبابه من شاني

أهدي إليه طيبات تحية ** من عبده القاصي المحل الداني

وأزور بالتسليم تربة قبره ** متتابع العبرات والأشجان

قبر لثمت تراه فتعرفت ** في تربه الأنفاس عرف جنان

لا زال عفو الله في أرجائه ** هامي السحائب دائم الهملان

وقال السيد الشريف الأديب الفاضل شهاب الدين الحسين بن محمد الحسيني موقع الدست الشريف بالأبواب الشريفة عفا الله عنه ورحمه

لقد حق بعد الدمع بالدم أن تبكي ** عيون البرايا بعد قاضي الهدى السبكي

وقد سفكت في تربه عبراتهم ** وليس ملوما من بها كان ذا سفك

مضى حبر هذا الدهر جادته رحمة ** تروض قبرا جامع العلم والنسك

وأغمد سيف بالشريعة مرهف ** سطا بذوي العدوان والإثم والإفك

وغاض ببطن الأرض بحر فضائل ** يؤم هداه الوفد بالنحب والفلك

يجيب سؤالا أو يجود لسائل ** فمن يشك من جهل وفقر له يشك

وزلزل طود الحكم من بعد ما علا ** وفاق سماك الأفق مرتفع السمك

حكى السلف الأخيار دينا وعفة ** ومجموعه في العلم قد قل من يحكي

فتاواه قد سارت لشرق ومغرب ** وفي طيبة جدواه والحرم المكي

وأحكامه في الخلق بالحق أيدت ** وأقلامه في نصرة الدين كالبتك

تملك أحرارا بأنعمه التي ** قضت بولاء تابع سابق الملك

وأدرك أوطارا من المجد والعلا ** وفاز بحمد العرب والعجم والترك

يعزى الإمام الشافعي بموته ** وأصحابه كل له رزؤه منك

علي بعدن سوف يرقى أرائكا ** ويعطى الذي يرضيه من مالك الملك

وبالروح والريحان روحك نعمت ** وإن كان منك الجسم بالسقم في نهك

خطبت لحكم الشام بعد تعين ** له ولك العليا معينة الدرك

وسيرة عدل سبع عشرة حجة ** سريت وفي الأقطار شكرك كالمسك

وكنت به سترا على كل أهله ** ولم تك للعورات حاشاك ذا هتك

وما زلت رحب الباع والصدر والفنا ** تلقيت بالترحاب في المنزل الضنك

ثكلت حسينا واحتملت لأجله ** لواعج أحزان لنار الجوى تذكي

مرضت شهورا فالأجور تضاعفت ** كذا الذهب الإبريز يحسن بالسبك

وسافرت حتى جئت بلدة مولد ** وبادرت حكم الشام بالزهد والترك

فغالك صرف ليس يمكن صرفه ** وكم شمل الشبان والشيب بالفتك

على كل مخلوق جرى حكمه الذي ** براه على المملوك يمضي وفي الملك

بكتك دمشق والشآم جميعه ** وحق على الإسلام بعدك أن يبكي

ستذكر عند المعضلات لكشفها ** كمثل افتقاد البدر في الظلم الحلك

فأف لدنيانا الدنية إنها ** لتخدعنا بالمين والمكر والمحك

فكم بعلي القدر صالت خطوبها ** وكم من مشيد قد أعادته ذا دك

وكم قد وهت بالنفس نفسا نفيسة ** وكم طرقت بيتا بمر ذوي الدهك

أرت غيرا بالغير نرمي بمثلها ** ونحن كأنا من يقين على شك

سبيل الردى حتم علينا سلوكه ** وكل امرئ في قبضة الموت والهلك

رثيتك يا قاضي القضاة لصحبة ** قضت لي أن أبكي عليك وأستبكي

وفاء عن الأطهار آلي ورثته ** هداة البرايا هادمي ملة الشرك

أعد السنين الأربعين وعهدها ** أكيد فلا يمنى بفسخ ولا فك

أبا حامد جددت عهدا بوالد ** زكي له علم به رشد مستزك

رأى من بنيه الغر عقد سيادة ** وأنت حماك الله واسطة السلك

ومتع تاج الدين صنوك رفعة ** لسامي علام عنه سما خير محكي

وقبري علي والحسين سقاكما ** سحاب من الرضوان ليس بمنفك

وقال ولده أحمد في جمادى الآخرة سنة ست وخمسين وسبعمائة وهو شهر الوفاة

أيا طالبا للعم والدين والفخر ** رويدك لا ترحل لهن ولا تسر

فإن الذي تبغيه غيب في الثرى ** وأودى مع الأجداث في جانب القبر

ألا في سبيل الله مصرع ماجد ** تقي نقي طاهر علم حبر

1394 علي بن محمد بن عبد الرحمن بن خطاب الشيخ الإمام علاء الدين الباجي

إمام الأصوليين في زمانه وفارس ميدانه وله الباع الواسع في المناظرة والذيل الشاسع في المشاجرة وكان أسدا لا يغالب وبحرا تتدفق أمواجه بالعجائب ومحققا يلوح به الحق ويستبين ومدققا يظهر من خفايا الأمور كل كمين

وكان من الأوابين المتقين ذوي التقوى والورع والدين المتين

وعنه أخذ الشيخ الإمام الوالد الأصلين وبه تخرج في المناظرة وفيه يقول عند موته من قصيدة رثاه بها

فلا تعذلنه أن يبوح بوجده ** على عالم أوري بلحد مقدس

تعطل منه كل درس ومجمع ** وأقفر منه كل ناد ومجلس

ومات به إذا مات كل فضيلة ** وبحث وتحقيق وتصفيد مفلس

وإعلاء دين الله إن يبد زائغ ** فيخزيه أو يهدي بعلم مؤسس

قلت ماذا عسى الواصف أن يقول في الشيخ الباجي بعد مقالة الشيخ الإمام الذي كان لا يحابي أحدا في لفظة في حقه هذه المقالة

وكان شيخ الإسلام تقي الدين بن دقيق العيد كثير التعظيم للشيخ الباجي ويقول له إذا ناداه يا إمام

سمعت الشيخ الإمام رحمه الله يقول كان ابن دقيق العيد لا يخاطب أحدا السلطان أو غيره إلا بقوله يا إنسان غير اثنين الباجي وابن الرفعة يقول للباجي يا إمام ولابن الرفعة يا فقيه

وكان الباجي أعلم أهل الأرض بمذهب الأشعري في علم الكلام وكان هو بالقاهرة والهندي بالشام القائمين بنصرة مذهب الأشعري والباجي أذكى قريحة وأقدر على المناظرة

وكان فقيها متقنا سمعت بعض أصحابه يقول كان الباجي لا يفتي بمسألة حتى يقوم عنده الدليل عليها فإن لم ينهض عنده قال مذهب الشافعي كذا أو الأصح عند الأصحاب كذا ولا يجزم

ومع اتساع باعه في المباحث لم يوجد له كتاب أطال فيه النفس غير كتاب الرد على اليهود والنصارى بل له مختصرات ليست على مقداره منها كتاب التحرير مختصر المحرر في الفقه ومختصر في الأصول ومختصر في المنطق قيل ما من علم إلا وله فيه مختصر

تفقه على شيخ الإسلام عز الدين بن عبد السلام بالشام فإن الشيخ علاء الدين مبدأ اشتغاله فيها

وكانت بينه وبين الشيخ محيي الدين النووي صداقة وصحبة أكيدة ومرافقة في الاشتغال حكى لي ناصر الدين بن محمود صاحب الباجي قال حكى لي الباجي قال ابتدأت أنا والنووي في حفظ التنبيه فسبقني إلى النصف الأول وسبقته إلى ختمه قال وكان النووي يحب طعام الكشك فكان إذا طبخه يرسل إلي يطلبني لآكل معه فلا أجد إلا كشكا وماء مائعا فتعافه نفسي فرحت إليه مرة بعد مرة للصحبة التي بيننا فلما كانت المرة الأخيرة امتنعت فجاء بنفسه إلي وقال والله يا شيخ علاء الدين أنا أحبك وأحب الكشك وما أشهى أن أطبخه إلا وآكل أنا وأنت فإما تجيء إلي وإما آخذه وأجيء إليك قال فقلت له والله يا شيخ محيي الدين أنا أحبك إلا والله ما أحب كشكك

وسمع جزء ابن جوصا من أبي العباس بن زيري

مولده سنة إحدى وثلاثين وستمائة

وولي قضاء الكرك قديما ثم استقر بالقاهرة

وكان إليه مرجع المشكلات ومجالس المناظرات ولما رآه ابن تيمية عظمه ولم يجر بين يديه بلفظة فأخذ الشيخ علاء الدين يقول تكلم نبحث معك وابن تيمية يقول مثلي ليا تكلم بين يديك أنا وظيفتي الاستفادة منك

وتوفي بها في سادس ذي القعدة سنة أربع عشرة وسبعمائة